مقياس تكنولوجيا الإعلام والاتصال

Abstract

تُشكِّل تكنولوجيا الإعلام والاتصال النَّسيجَ الحيويَّ للعصر الرقمي، متحوِّلةً من أدواتٍ تقنيةٍ خالصة إلى قُوى فاعلةٍ تُعيد تشكيلَ البُنى المجتمعية والاقتصادية والثقافية. وقد شَهِدَت هذه التكنولوجيا مسيرةً تطوريةً امتدت عبر حُقبٍ تاريخيةٍ متعاقبة، بدأت باكتشاف اللُّغة كأول شفرة اتصالية، مروراً باختراع الكتابة التي جسَّدت الذاكرة الجمعية للإنسان، فظهور الطباعة التي حوَّلت المعرفة من احتكار النخبة إلى تراثٍ مشاعٍ للجميع، وصولاً إلى ثورة الاتصالات في القرن التاسع عشر التي نقلت البشرية من عالم الإشارات البدائية إلى عصر التلغراف والهاتف. ويمثل ظهور الإنترنت قفزةً كونيةً غير مسبوقة، حََوَّلَت العالم إلى فضاءٍ رقميٍ تتقاطع فيه تيارات المعلومات عبر شبكات اتصال معقَّدة. فالاتصالات السلكية تنقل البيانات بسرعة الضوء عبر الألياف البصرية، بينما تحررت الاتصالات اللاسلكية من قيود الأسلاك لترسم ملامح عصر الأجهزة المحمولة وإنترنت الأشياء. ويُولِّد التكامل التقني بين الحاسبات والاتصالات كياناً رقمياً هائلاً يتجلى في تطبيقات ثورية غيَّرت وجه العالم، من التعليم الإلكتروني إلى الطباعة عن بُعد، ومن المدن الذكية إلى الاقتصاد الرقمي. وفي فضاء هذا العالم المتشابك، تُشكِّل الأقمار الصناعية النظام العصبيَّ الحيويَّ الذي يربط أطراف المعمورة، بينما يتطور البث التلفزيوني من الصورة بالأبيض والأسود إلى العوالم الافتراضية الغامرة. ولم تعد الشبكات الرقمية مجرد قنوات اتصال، بل أصبحت أنظمة عصبية تربط الأفراد والمؤسسات في نسيج معقَّد من العلاقات الافتراضية. غير أن هذه الثورة التقنية تحمل في طياتها ثنائيات متناقضة، فبينما تختزل المسافات وتذوب الحدود، تبرز تحديات جديدة في الأمن السيبراني والخصوصية الرقمية والفجوة المعرفية. وهكذا تتحول تكنولوجيا الاتصال من أدوات تقنية محايدة إلى قوى اجتماعية واقتصادية وسياسية فاعلة، تُعيد تشكيل الحاضر وتصوغ ملامح المستقبل، مما يجعل فهمها واستيعاب آثارها ضرورة وجودية في عصر التحول الرقمي.