الأمة الإسلامية في فكر أبي الحسن الندوي

Abstract

أبو الحسن علي الحسني الندوي شخصية بارزة في الساحة الفكرية، عاش في أقلية مسلمة واجهت الكثير من المشاكل، وخاصة إثر انفصال باكستان عن الهند، ما زاد معاناتها من الحكومة الهندية. وعلى رغم هذا الواقع العصيب، فلم يمنع ذلك من أن ينشأ الندوي نشأة علمية في أسرته التي كانت أول مؤهل لنشأة شخصيته على هذا المستوى، ثم بيئته التي كانت عامرة بالعلماء والمفكرين والمربين، والتي كان لها الأثر في تكوينه فكريا، وترسيخ البعد الروحي القيمي الذي اصطبغت به كتاباته في العلمية والفكرية. خاض الندوي مجال الفكر في وقت مبكر وهو فتى صغير وكانت أول بادرة كتابته لمقال عن "الإمام أحمد بن عرفان الشهيد"، ويقدم كتابه ذا الوزن الفكري الكبير "ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين" وهو صاحب الثلاثين سنة، ليقبل على وقف حياته وقدراته العلمية والفكرية في سبيل إعادة الأمة إلى المقام الذي اصطفاه القرآن الكريم لها، مقدما تصوره لمفهومها، مرسيا مقوماته، انطلاقا من توظيفه القرآن الكريم وحياة النبوة كمقومات أساسية في بنائه. ويستلهم منهما خصائص "الأمة المسلمة" التي تحقق البعد القرآني لها وتثبته واقعا عمليا. وعلى هذا المنطلق سعى إلى تحقيق هذا البعد الحضاري الذي يرسمه المفهوم القرآني للأمة، مسلطا الضوء على مجموع الأزمات التي حالت بينها وبين صناعة حضارة مثلى تعود عليها وعلى البشرية بالسعادة، مشخصا أسباب الأزمة، مبديا مظاهرها، ابتداء بالواقع السياسي الذي عاد به إلى العهد الأول من حياة الأمة الإسلامية، عند حدوث أول تحولات كبرى في الحياة الإسلامية، سببها انقلاب الخلافة الراشدة إلى ملك عضوض، مرورا بذكر الهجومات الصليبية والغزو التتاري، القيادة العثمانية كاستمرار للأزمة، منبها في المقابل على قيام النهضة الأوربية الذي شكل حضارة جديدة قوية دافعها الامبريالية والهيمنة على العالم الإسلامي، ليصل إلى أسباب الأزمة السياسية المعاصرة، وأسبابها التي تتمثل في سياسة التغريب، وتحديث الأقطار الإسلامية على النمط الغربي، والصراع بين الحكومات وشعوبها، والحكم الاستبدادي الذي ترك وبالا كبيرا على الحياة الدينية والعلمية والاجتماعية. إلى نفوذ فكرة القومية وأثرها على وحدة الأمة الإسلامية. في حين شملت رؤيته للازمة الفكرية -بداية من قصور تجربة العقل والروح في الإجابة على أسئلة الوجود وحياة ما بعد الطبيعة. وانتهاء إلى الأزمة الفكرية المعاصرة التي تجلت في الموقفين السلبيين للعالم الإسلامي أمام الحضارة الغربية-، موقفا رافضا لكل الحضارة الغربية جملة وتفصيلا، معارضا لها، ومنعزلا عن الحياة المتطورة، والموقف الثاني المترامي في أحضانها، مستسلما لها مقلدا مؤمنا بقيادتها، والأمر الآخر هو الغزو الفكري المؤسس الذي أضعف الهمم، وأحدث صراعا وقلقا في النفوس، وٕاتماما للشق الثاني من الأزمة الثقافية فإن أول سبب يراه الندوي هو تعطل الاجتهاد وٕاهمال العلوم التجريبية. معرجا على تخلف العلوم الإسلامية، وركود الفكر الإسلامي، مشيرا إلى نفوذ الدراسات الاستشراقية في الحياة العلمية، واعتمادها في المنظومات العلمية، مع صدى أفكارها في الأقطار الإسلامية. وضاربا أمثلة على تدهور أوضاع الجامعات في الأقطار الإسلامية وضعفها وضياع غاياتها السامية. متطرقا بعدها إلى واقع الحياة الدينية مذكرا أولا بالآثار السلبية التي خلفها، من البدع والضلالات، وتدهور العلاقة بين رجال الفكر والدين ورجال السلطة وتراجعت منزلة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر. أما مشكلة الأزمة الروحية فعاد الندوي بأسبابها إلى تراجع فريضة التزكية، وتجاذب علم التصوف طرفا الإفراط والتفريط. ليشد الفكر المادي بعد هذا الواقع خناق الحياة بسبب تراجع عمل الدعوة وتأثيرها في النفوس وضعف سلطان العلماء والمربين في الحياة الإسلامية. كما لم يغفل عن التنبيه على خطر الفرق ضالة وتركيزه على خطر القاديانية على الحياة الإسلامية والعقيدة، متجاوزا ذلك إلى الوقوف على بعض الثغرات التي يراها عوامل مضعفة للجماعات الإسلامية. في حين شملت نظرته لأزمة الواقع الاجتماعي الانحرافات التي أحدثتها السياسات الحاكمة في بداية تاريخ الأمة وتحول نفسية المجتمع الإسلامي في بداية عهده، وامتداد لهذا الواقع المتأزم يعرض الفساد الطارئ المتمثل في جهاز السياسات الحاكمة التي تهدر أموال شعوبها في تلبية رغباتها. مع وجود التفاوت معيشي بين طبقات المجتمع، وقد أسهم ضعف السياسات الاستراتيجي في انهيار واقعها الاقتصادي بتهميش قدرات أبنائها، واعتمادها على أنظمة الغرب، وتوكيل ثروات البلاد إلى الشركات الأجنبية المستثمرة. وأصبحت أسواقها معرضا لكل منتج غربي. ومع مراعاته لواقع الأقطار الإسلامية فإنه لم يهمل مراعاة مشاكل الأقليات المسلمة والوقوف على معاناتها في البلدان غير الإسلامية. وتداركا لجملة الأزمات التي تزيد الأمة تدهورا وفي مقابل الأزمة فقد قدم مساعي كبيرة في سبيل نهضة حضارية، تجلت في طرحه لجملة من العوامل ابتدأها –ترتيبا للأولى- بالعامل الثقافي الذي شمل إعادة بناء منظومة تربوية تعليمية مستقلة عن التأثير بحضارة الغرب الذي له منظومته الخاصة به لا تخدم شخصية الأمة ومستقبلها، وهدف من خلالها إلى تكوين الكفاءات الجديرة لتسد الفراغ والحاجة العلمية، وتصد الموجات الاستشراقية التي تظهر من حين لآخر. ويؤسس بعدها رؤية للنهوض بالواقع الفكري، مستلهما المواقف التاريخية التي أسهمت في الحفاظ على خدمت الفكر الإسلامي، ورسخت دعائمه، لينتقل بعدها إلى أكبر مشكلة واجهت الفكر الإسلامي في شتى جوانبه، والمتمثلة في الحضارة الغربية، فكان التأسيس لمفهوم الحضارة واصطباغه بالرؤية الدينية أول خطورة قدمها ثم لم يغفل على أبراز نقاط ضعف كل من الحضارتين الغربية والإسلامية وأزماتها، ومكامن قوتهما، لينتهي إلى أن الحل الأمثل للإنسانية هو ما أسماه "التصميم الحضاري" الذي يقوم تلاقح الحضارتين وتثمين ما هو أنفع للإنسانية، ونبذ القطيعة النكراء بينهما. في حين تركزت رؤيته في العامل السياسي على استصحاب القيم في المشاريع السياسية، مع تحقيق الشروط اللازمة من الوعي السياسي، والمحاسبة، وتقديم مصالح الأمة على أي مصلحة أخرى. منبها على المنهج الذي يجب تحقيقه بالنسبة للأقليات والجاليات المسلمة. ومدعما نظرته بعمل ميداني تكلل بنجاحات باهرة على مستوى الهند، كسب به ثقة الحكومات الهندية، والعمل بآرائه أحيانا أخرى. محاولا بذلك إرساء الوعي بأهمية تحقيق التعايش والسلم ومنفعة ذلك على جميع فئات المجتمع الهندي وأطيافه. متطرقا بعدها إلى عوامل النهضة بالحياة الدينية والاجتماعية، مقدما القرآن الكريم المصدر الأول لقوامة الحياة الدينية، مضيفا الهدي النبوي باعتباره الممثل العملي، والمفتاح الوحيد للمعرفة الحقيقية والمنفذ للهداية الكاملة الذي يختزل الإجابات المثلى لتساؤلات الوجود التي عجز عن إدراكها التجربة الروحية والعقلية. مقدما نموذجا عمليا في تدبر القرآن الكريم –سورة الكهف- الذي وظفه إبرازا منه على أهمية توظيف الدراسات القرآنية في مواجهة المشاكل التي تعترض الحياة الإسلامية أبرزها الفكر المادي الذي هيمن على المجتمعات الإسلامية وأصبح معيارا للعلاقات بين المسلمين، وامتد في ظل الفراغ الروحي الذي سعى الندوي لإحيائه من جديد عن طريق التصوف برؤية وسطية تحل العقد النفسية وتهذب التفكير المادي وتعيد البعد الغيبي إلى مستواها الصحيح في النفوس. أما واقع الحياة الاجتماعية فلجأ إلى التركيز على إصلاح أخلاق المجتمعات وتربيتها تربية صحيحة واعية، عن طريق إيجاد النماذج والقدوة الصالحة التي تكرس جهودها في الحسبة على المجتمع وشؤونه التربوية والتعليمية، منبها كذلك على فعالية دور المرأة في هذا المجال، خاصة في إعداد الأسرة المسلمة الصالحة. وفي مجمل رؤيته في الواقع الاقتصادي فإنه يرى ضرورة إصلاحه عن طريق استغلال الأمة لثرواته بعيدا عن الاعتماد على جهود الدول الأجنبية، إضافة إلى تحقيق القوة لحفظ الشخصية الدين وفرض احترامها منبها في ذلك على أهمية تحقيق الاكتفاء مع النوعية والجودة في صناعة السلاح والمعدات العسكرية مجابهة لقوى الغرب واستعدادا لأي خطر يهدد وجودها وكيانها. Abu el-Hassan Ali Al Hassani el-Nadawi, is one of the influential persons in the intellectual field. He lived in a Muslim minority that faced a lot of issues, mostly after the Pakistan separated from India increasing the problems with the Indian government. That did not prevent him from receiving his education. Indeed, his family initiated his early studies considering the fact that he grew in an environment full of scientists, intellectuals and educators who influenced him a lot and helped to establish his valuable and strong spiritual opinion which is very palpable in all his writings. His article on “Sayyid Ahmad Shaheed” marked the beginning of his writings at a very young age, and with his book “Islam and the Word” (lit: what did the world lose with the decline of Muslims?), that he wrote at the age of thirty, he started dedicating his life and knowledge to re-awaken Muslims by establishing the superior moral values of Islam and the principals contained in the Holy Quran and the life of the Prophet. He defined the characteristics of the “Muslim World” and based the existence of Muslims on the values of Quran. He also tries to achieve the concept of civilization as conceived by Quran; focusing on the crisis that prevented Muslims and the entire humanity from living happily. He diagnosis the reasons of that political crisis going all the way back to the beginnings of Islam and how the open rebellion (Firs Fitna) started reversing the empire under the Rashidun Caliphate to an abusive stern dynastic system of rule. He does not forget the impact of the Crusades, Tatar invasions and the Ottoman leadership in the persistence of the crisis. El- Nadawi notices how the Renaissance helped to make the transition in Europe towards a new strong civilization pushed by imperialism to control the Muslim World. He also reveals that the real reasons behind the modern political crisis are: the Westernization and the way Muslims are adopting the Western identity, conflicts between governments and the people, the despotism which had a big influence on the spiritual, religious, scientific, social… life, and also the nationalism and the way it affected the Muslim World unity. He reveals that the intellectual decline, from the failure to answer existential questions about life beyond nature to the modern intellectual crisis, can be seen through two different perspectives of Muslims towards the Western civilization: First, those who refuse all the aspects of that civilization, isolating themselves completely from advanced technologies and life. Second, are those who are addicted to the Western civilization, live by its principals and believe on its supremacy.Another aspect of the crisis is the intellectual invasion which weakened the motivations and created laziness by neglecting the experimental sciences. That recession in Islamic sciences is reinforced by the dependence and the decrease of the oriental studies in science, and he gives an example of such deteriorationby revealing the weaknesses of the universities in Muslim countries and their failure to achieve higher purposes. Al-Nadawi speaks, then, about the religious aspect of life and how heresies and false assumptions affected it and deteriorated the relations between intellectuals, religious and the men of power. Also, the way the notion of “promoting value and preventing vice” has declined. According to him, the spiritual crisis is mainly due to the negligence of Zakat and to extremism in both ways of mysticism. The material aspect of life became more important than the spiritual values, the effect of the preachers regressed and the power of Muslim educators and scientists decreased. He warns about the danger of groups and parties such as “Qadianiat” on the Muslim’s life and religion revealing some of the issues that weakened the Muslims communities. Socially, he points out the way politicians contributed to the moral decline of the Muslim society from the beginning of its history till now by wasting huge money on meeting the desires of the people. Increasing disparities in living conditions of social strata and the weakness of the political strategies led to the current economic reality that relies on the West, excludes local potentials, and giving up the countries’ wealth to foreign investors who used the Muslim markets to expose their products. That being said, he does not forget to discuss the issues of Muslim minorities focusing on the difficulties faced by Muslims who live in non-Muslim countries. By studying all these crises that affect the Muslim World, he contributes a lot in a civilizational revolution through a series of elements: First, the cultural aspect; he works on rebuilding a new educational system independent from the West influence which does not fit the personality and the future of Muslim community. The main purpose would be the formation of competences to fill the needs in science and face the oriental waves that appear from time to time. Second, intellectually: he makes use of the historical facts that worked on preserving the Islamic intellect and reinforced its foundations to show that influencing the civilization with religious aspects was the first risk. Then, he moves to the biggest problem of the Islamic intellect in all its aspects: the Western civilization. He summarizes the strengths and weaknesses of both civilizations to finally discover that the best solution for humanity is what he calls “civilization design”. This concept is based on the mating of the two civilizations, in order to value what is good for humanity and abandon what is not. Politically, his vision is based on the presence of values in the political projects by achieving necessary conditions such as political awareness, to put the interests of the nation first. He stressed on Muslim minorities and communities through the successful field work that he did in India. That work gained him the confidence of the Indian government who even worked with some of his advice, and helped him to raise the awareness about the importance of living peacefully and how that would be of a great benefit to all Indian social classes and communities. Al-Nadawiwas also interested by the social and religious revolution by using the Quran as the first source of the religious life, then the Prophet guidance that he considers as the key and the practical representing of real knowledge, the executer of complete guidance and the provider of all answers about existence that no spiritual or mental experience could recognise. He presents a practical way of understanding the Quran (Surah Al-Kahf), he proved, through this model, the importance of using Quranic studies to solve all sort of problems most importantly the materialistic way of thinking that dominates the Islam communities and became a criteria for relations between Muslims. Also the spiritual emptiness that he tries to fulfill with an average mysticism in order to solve the psychological issues and control the materialistic thinking, and give the spiritual aspect its appropriate strength. To promote the social life, he upholds the reform of social ethics and morals by providing a conscious and correct education, and finding good modals that would dedicate themselves to the education and the teaching of the community. He also emphasised on the crucial role of women in preparing a good Muslim family. In his overall economic perspective, he believes on its reform, calling the nations to use their own wealth and avoid depending on the foreign efforts. Similarly, he also urged to achieve self-sufficiency with quality in the production of weapons and military equipment to face the West forces and be prepared for eventual threats.